في هذه الرسالة تتجاوب براهين الرسالة العامة والخاصة ، فقد كتب الله على نفسه الرحمة ، ولا سيما رحمة الهداية الروحية على ضوء الوحي ، ومن الرحمة الربانية في حقل الشرعة أن تكون وحيدة تجمع كافة المكلفين ، فما هي هذه الشرعة الوحيدة الصالحة ببراهينها وواقعها لإسعادهم عن بكرتهم.
الخطوة الأولى لسائر الرسالات ـ لولا القرآن ـ فاشلة ، إذ لم تبق من حجج الرسل باقية واقية تصلح للإحتجاج بها ، فإن آياتهم الرسولية انقرضت معهم ، ثم وآياتهم الرسالية وهي كتبهم أصبحت ـ ومنذ أمد بعيد ـ محرفة عن جهات أشراعها ، ولا نجد إلّا القرآن العظيم الجامع في نفسه الحجة الرسولية والرسالية ، المهيمنة لما سبقه من رسل ورسالات.
و (يُبَيِّنُ لَكُمْ) وما أشبه ككل تعم تبيين كلّما يحق تبيينه من الحق من ظاهر أو باطن دونما استثناء ، فالقيلة الغائلة الصوفية أن وراء الشريعة حقيقة لا تنال إلا بطقوس خاصة أخرى غير قشور الشريعة ، هذه إزراء بالله تعالى كأنه قصّر في مادة الإرسال ، وإزراء بالرسول (ص) كأنه قاصر في ذلك البلاغ.
فإن كان ما يقولونه هو من الباطن حقا لكان المشرع أحق بإعلانه كما يعلنون ، وإن لم يكن هو الحق فما ذا بعد الحق إلّا الضلال فأنّى يؤفكون.
كلّا ، إن الباطن الحق كله مطوى في الظواهر الدينية ، كلما أقيمت كالمرسوم في شرعة الله ظهرت تلك الحقائق قدرها والله من وراء القصد.
وفي رجعة أخرى إلى الآية انتباهات تالية :
في اختصاص الخطاب هنا بأهل الكتاب لمحة باختصاصهم أكثر ممن سواهم بتلك النعمة الرسولية حيث (يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) فإنهم هم المبتلون ببلية التحريف والاختلاف قاصرين ومقصرين ، فهذه لهم بشرى سارّة أن يجيئهم هذا الرسول الذي يبين لهم ـ كما للعالمين ـ كل شيء.