ذلك ، وقد تسمي القيادة الروحية ملوكية كما (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) ثم (جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) تشمل ملوكهم الخصوص كيوسف وسليمان ، فهي قرينة قاطعة على أن ليس المعني من (جَعَلَكُمْ مُلُوكاً) الملوكية المرسومة الزمنية ، فكيف يصح خطابهم ككلّ ب (جَعَلَكُمْ مُلُوكاً) والملوك الرسميون فيهم منذ يعقوب إلى المسيح عليهم السلام لم يكونوا إلّا نذرا قليلا والأنبياء كثير ، فلو عني الملوك الرسميون لكان حق التعبير «وملوكا» عطفا على (جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) ، دون (جَعَلَكُمْ مُلُوكاً) الشاملة لهم كلهم!.
هذا ، فأنعم النعم الروحية لهم تبدل السلطة الخانقة الفرعونية عليهم بالسلطة الرسالية ، وتبدلهم عن تلك العبودية والرقية الذليلة بأن ملكوا أنفسهم ، حيث السلطة العادلة لا تستعبد الشعوب وتستخدمهم بل هي المستخدمة لهم وتجعلهم أحرارا في مسير الصلاح ومصير الإصلاح ، فالشعب الفاقد للحرية الصالحة تحت القيادة الصالحة هو أفقر شعب وأقفره ، والذي يملك الأمرين هو أغنى شعب وأعمره وأبهره ، ومالك أحدهما هو عوان بينهما ، والمحور الأصيل بين هذه الأمرين هو الحرية الصالحة والقيادة المصلحة حيث تصلح لصالح هذه الحرية.
ذلك ، وقد ينعم المكلفون كافة بأرقى النعم المحلقة على كافة حيوياتهم زمن صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه.
أجل (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) بعد أن «اتخذتهم الفراعنة عبيدا فساموهم سوء العذاب ، وجرعوهم المرار ، فلم تبرح الحال بهم في ذلك الهلكة وقهر الغلبة» (١).
بنو إسرائيل هنا يذكرون ببارع النعم الربانية عليهم حتى يلينوا لأمر الله
__________________
(١) نهج البلاغة الخطبة ٩٠ / ٣ / ٣٦٩.