النبوة ، ثم ولا نعرف نبيّا مع موسى غير هارون ، فهما على أية حال كانا في قمة من قمم الإيمان والتكلان على الله في مثل ذلك الموقف الحرج المرج ، بذلك الأمر الرشيد الجريء الإمر : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) : إذا دخلتم باب البلدة المقدسة انهزموا فلا يبقى منهم نافخ نار ولا ساكن دار.
وذلك درس يحلّق على كافة الأمثال لهذه الهجمة المؤمنة المتوكلة بأمر الله ، فصاحب الحق وقد احتل مركزه والله يأمره أن يأخذ حقه ، إنه بطبيعة الحال يتأكد نجاحه في مثل هذه الهجمة القوية ، فلو أنهم لا ينجحون لاستحال على الله أمرهم بالدخول في الأرض المقدسة وقد كتبها الله لهم : ضابطة ثابتة في علم القلوب وتكتيك الحروب : أقدموا واقتحموا ، فمتى دخلتم على القوم في عقر دورهم انكسرت قلوبهم وضعفت معنوياتهم قدر ما تقوى قلوبكم وتعلو معنوياتكم ، فهم يشعرون بهزيمة عظيمة تفشل بها طاقاتهم مهما كانوا جبارين (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
ذلك ولمجرد الهجمة المفاجئة وإن كانت بدائية ظالمة ، لها دورها في الغلبة ، فضلا عما هي دفاعية لاسترجاع حق مغتصب ومن مؤمنين بالله وهي بأمر الله.
وإذا كانت الحروب النارية هكذا قضية انحلال الشخصية والتصميم من المهاجمين ، فما ذا ترى الحروب الباردة في حقول الحجاج اللجاج ، فلا ريبة في تغلّب صاحب الحق على صاحب الباطل ، ولا سيما حين يقدم المبطل في عرض دعواه فيهاجمه المحق في أسود نقطة من نقط باطله ، فيتهدر المبطل عن بكرة أبيه.
ففرق بين أن يأمر الله بالدفاع أو الجهاد دون ضمان للغلبة حيث الحرب سبحال ، وبين أن يأمر بالدخول في الأرض المقدسة المحتلة وقد كتبها الله لهم.