والجواب أن تيه الأربعين كان عليهم عذابا لم يسأله موسى ، ولم يكن له عذابا إذ لم يكن دخول الأرض المقدسة محرما إلا عليهم (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) ثم الله سهل على رعيل الإيمان ما لم يسهل على الفاسقين ، ومنه لموسى (ع) تظليل الغمام وانفجار العيون بما ضرب موسى عصاه ، وإنزال المن والسلوى ، آيات ثلاث ربانية كانت لصالح الرسالة الموسوية علّهم يؤمنون.
فأما دعاءه «فافرق ..» فقد فرق الله بينه وبينهم بموته دون عزله عن الرسالة فإنه عضل ، ولا فرقه عنهم حيا فإنه انعزال لا يجوز في سنة الرسالة مهما كان المرسل إليهم عزّل عن الإيمان وعضّل ، ومن الفرق هو فارق العذاب لهم في التيه دونه وهارون والمؤمنين معهما.
والقول إن الله فرق بينهم وبين القوم فور دعاءه قبل التيه ، تيه في القول حيث كان انبجاس العيون وتظليل الغمام وما أشبه ، آيات ربانية بيد موسى (ع) وهم في التيه ، إذ لا حاجة إلى ذلك الاستسقاء الجمعي وتظليله إلّا في التيه.
فلقد تاهوا في تلك التيهاء لا يهتدون من أي إلى أي ، وقد لا تعني (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) حرمة تعبدية إذ هم لم يكونوا يتعبدون بسلب ولا إيجاب ، بل هي محرمة عليهم حتى إن لم يكن فيها جبارون حيث أتاهم الله عنها فظلوا في التيه إذ ضلوا عن الأرض المقدسة فيه والله أعلم بما في التيه ومن فيه ، بسالبه ومنفيه.
هذا ما يقوله القرآن عن سبب التيه في التيه ، وإليكم نصا من التوراة نائها في سبب التيه : «فقال الرب لموسى وهارون من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياه. هذا ماء مريبة حيث خاصم بنو إسرائيل الرب فتقدس فيهم» (سفر الإعداد ٢٠ : ١٢ ـ ١٣).