فمن الواجهة الأدبية الفاء في «فاقطعوا» لا بد وأنها لجزاء الشرط المحذوف المعروف من «السارق» ك «إن سرقا» ولكنه تحصيل للحاصل «السارق ـ إن سرق»! أم جواب «أمّا» المحذوفة عن المبتدء : «وأما السارق ...» فالموصول بصلة مبتدء ، ثم «فاقطعوا» خبره ، ولولا تقدير «أمّا» لما كان للفاء مكان فإنها لا تأتي على خبر المبتدء ، إلّا على جزاء الشرط : أن «الذي سرق فاقطعوا ...» أو «من سرق فاقطعوا ...» أو يقال : نفس «الذي ـ أو ـ من» المستفادة من السارق كاف في إدخال الفاء على الفعل ، فإنه في معنى الشرط ، أو هو الشرط ، أم هو جواب «أما» والوجهان صالحان أدبيا ومعنويا.
ثم السرقة هي أخذ ما ليس له خلسة وخفية ، واسترق السمع إذا تسمّع مستخفيا ، وسرقت عينه إذا نظرت خلسة ، وكذلك سائر السرقة من نفس أماهيه ، فالأصل فيها أخذ ما ليس له خلسة ، نفسا أو مالا أو كلاما أو نظرة وما إليها مما يسرق أو يسترق.
ومن البرهان قرآنيا على أن استلاب النفس خلسة سرقة : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) (١٢ : ١٧) إذ يعني أنهم سرقوا يوسف من أبيه ، فإن أخذه من أبيه ليسرح ويلعب ، بنية إخفاءه عنه قتلا أو نفيا ، هو من الأخذ خلسة ومن أسوءه.
وقد تلمح أو تدل (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) أن (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) تعني ـ فقط ـ سرقة المال والنفس ، لأنهما ـ فقط ـ يسلبان باليد ، وليس قطع الأيدي ، إلّا قطعا لما يسرق به ، فاليد السارقة تقطع.
ولأن السارق المسلح ، وقاطع الطريق ، مذكور بحكمه في آية المحاربة من ذي قبل ، فلا تشمله هذه الآية ، وكذلك السارق القاتل ، فلا تعني آية «السارق» إلّا السارق بغير سلاح ولا قتل أو قتال ، كما لا تعني المغتصب