للكذب فإن «للكذب» يعمهما : كذبا مسموعا وكذبا مقولا لهم وكذبا في تكذيبهم للرسول (ص) حيث يلائم وطبيعتهم الشريرة المتخلفة عن جادة الصواب ، وهم (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) حيث ينقلون لهم عنك أكاذيب ليشوّهوا بذلك سمعتك الرسالية ، ويصدون عنك السالكين إليك. إذا فهم سماعون لكذب الكاذبين ليكذبوا الرسول ، وسماعون لصدق الرسول ليكذبوه فليس غايتهم في كونهم سماعين لأي كذب أو صدق إلّا الكذب ، أن يكذبوك فيما ينقلون ، كما وهم «سماعون» ما يسمعون (لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) فإنهم لهم عيون وجواسيس ، فالقوم الذين أتوك ليسوا ليصدقوهم في أكاذيبهم التي ينسبونها إليك ، فإنهم غيّب وهم كأمثالهم في الكفر يتلقون أقوالهم عنك بكل قبول وإقبال ، تجاوبا للجمعين في تكذيب وتشويه سمعتك.
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) تحريفا لكلم الله بعد ما أخذت مواضعها من ألفاظها ومعانيها ، وتحريفا لكلامك عما تعنيه لفظيا أو معنويا كما هو دأبهم الدائب.
(يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) حيث هم يتطلبون أن ينحو الرسول (ص) منحاهم فيما يتحاكمون إليه فينافقون في أمرهم : (إِنْ أُوتِيتُمْ هذا) الذي تهوون (فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) حكمه ، فهم يخالفون التوراة الحاكمة ضد ما هم يهوون ، ويخالفون الرسول (ص) حيث يتحاكمون إليه إن خالفهم فيما يهوون ، فهؤلاء من المنافقين بين الذين هادوا ، وقد وردت في الآثار شأن نزول هذه الآيات بمختلف التعبير(١).
__________________
(١) فقد روي أنها نزلت في قوم من اليهود ارتكبوا جرائم ـ زنا أو سرقة اماهيه ـ ثم ارتبكوا في اجراء الحكم حيث كان المجرم من الشرفاء وهم لا يسوون بينهم وبين سواهم فتآمروا على رسول الله (ص) أن يستفتوه فيها فإن أفتى لهم بالعقوبات التغرية المخففة ـ خلافا على التورات والقرآن ـ عملوا بها كأنها حجة لهم عند الله حيث افتى بها رسول من الله وإن حكم ـ