يحزن على مسارعة الكفر من واحدة من هذه وما أشبه ، فلا دافع ـ إذا ـ لحزنك يا حامل الدعوة متصبرا على كل أذى وكل لظى في هذه السبيل الشائكة المليئة بالأشلاء والدماء ، فإن الله ناصرك ومولاك ، نعم المولى ونعم النصير ، ومن أخطر المسارعين في الكفر هم المنافقون (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) حيث يفسدون داخل الصفّ الإسلامي ، ولكن أية محاولة ماكرة منهم ، ناكرة للحق ، تواجه بصدّ سديد من الله ومن أهل الله ، فلا يؤثر مكرهم إلّا فيمن هم كأمثالهم ، وأما المؤمنون الصامدون فهم لا يزدادون في هذه العرقلات إلّا إيمانا وعلى ربهم يتوكلون.
وكيف (قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) وليس القول إلّا بالأفواه؟.
ذلك لأن طبيعة الحال في القول إخباره عن القلب ، وأن القول يعم قول الأفواه إلى قول القلوب والأعمال ، فهم (قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) دون قلوبهم ، قولة فاضية عن واقعها (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) بما قالوا بأفواههم.
ذلك (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) وعلها عطف على (الَّذِينَ قالُوا ...) بحذف «هم» مبتدء ل «سماعون» تبريرا لرفعها ، ولكنها ـ إذا ـ «ومن الذين هادوا هم سماعون ...» فقد استقلت عما قبلها فلا عطف ، فالأرجح أن واوها للاستئناف ، أن المنافقين الأوّلين يسارعون في الكفر ، وهؤلاء الكفار متوغلون في الكفر إذ لا يؤمنون بما آمنوا به من شرعة التورات ، أم (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) عطف يعني ومنهم منافقون كمن سواهم ، ثم وصف المنافقون ككل ب «سماعون ...» صفة ل (الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) وعلّه أصلح الوجوه كما هو أصح في أدب اللفظ والمعنى حيث الذين حزّنوه هم هذان الفريقان من المنافقين بثالوث المواصفات «سماعون ... يحرفون ... يقولون» وذلك الثالوث هو من أنحس النفاق وأتعسه.
فهؤلاء الحماقى الأنكاد اختصوا أسماعهم بسماع الكذب والسماع