مظهر القبول بما يفتي لهم وهم بعد ناكرون لرسالته ، وذلك نفاق مزدوج عارم ، نفاقا في تهودهم إذ لا يرضون التوراة لهم حكما فيما لا يهوون ، ونفاقا في استفتاءهم الرسول (ص) كأنهم من أمته رافضين التوراة إلى شرعة القرآن.
وهنا ندرس أن «ليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة ، ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بالله ونجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر وقد بين الله ذلك بقوله : (الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) فالإيمان بالقلب هو التسليم للرب ومن سلم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره (١).
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٤٢).
هؤلاء المنافقون من اليهود وسواهم هم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) سمع الكذب وسمعا للكذب تنقلا ونقلا وتطبيقا (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وهو لغويا القشر المستأصل ، والسحت أيا كان مستأصل للآخذ والمأخوذ منه ولا سيما سحت الرشا حيث يستأصل إيمان المرتشي وحق أهل الحق كما ويستأصل الأمن عن الحياة الإنسانية الأمينة ، وذلك الاستئصال دركات حسب دركات الباطل فيه ومن أنحسها الرشا والربا.
فالسحت هو الحرام رشا وسواها بديلا عن تحريف الكلم من بعد مواضعه (فَإِنْ جاؤُكَ) بتلك الحالة المنافقة فأنت بالخيار إيجابا في الحكم بينهم وسلبا
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٦٣٢ في كتاب الإحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين (ع) حديث طويل يقول فيه.