(فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) حكما بينهم لأصل التحاكم وفصل الحكم ، وإعراضا عنهم إذ لا يريدون تطبيقه ، ولا تخف من الإعراض عنهم ضررا عليك (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً) في رسالتك ، لساحتك وسماحتك (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) وهو حكم الله دون ما تهواه أنفسهم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وهنا «السحت» لا تختص بالرشا في الحكم مهما كانت أنحسه بل هو الأكل بالباطل أيا كان رشى أم ربا أم سرقة أم بخس مكيال وما أشبه ويجمعها (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ..) (٤ : ١٦١).
فلأنهم لا يبالون الأكل بالباطل ، بل يحومون حوله ويخوضون فيه مصرين عامدين ، لذلك يعبر عنهم ب (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) ولا سيما الرشا في الحكم فإنه في حد الكفر(١).
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ٢٨٤ عن ابن عباس أن رسول الله (ص) قال : رشوة الحكام حرام وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه ، ورواه عنه (ص) مثله ابن عمر ، وفيه أخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب (ع) أنه سئل عن السحت فقال : الرشا ، فقيل له في الحكم؟ قال : ذاك الكفر ، وفيه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (ص) : هدايا الأمراء سحت ، وفيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) ست خصال من السحت رشوة الإمام وهي أخبث ذلك كله وثمن الكلب وعب الفحل ومهر البغي وكسب الحجام وحلوان الكاهن ، وعن يحيى بن سعيد قال : لما بعث النبي (ص) عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر أهدوا له فروة فقال (ص) : سحت ، وعن ثوبان قال : لعن رسول الله (ص) الراشي والمرتشي والرائش ـ يعني الذي يمشي بينهما ـ وعن أبي هريرة عن النبي (ص) قال : من السحت كسب الحجام وثمن الكلب وثمن القرد وثمن الخنزير وثمن الخمر وثمن الميتة وثمن الدم وعب الفحل وأجر النائحة وأجر المغنية وأجر الكاهن وأجر الساحر وأجر القائف وثمن جلود السباع وثمن جلود الميتة فإذا دبغت فلا بأس بها وأجر صور التماثيل وهدية الشفاعة وجعلة الغزو. أقول : وفي بعضها كلام كدباغ الميتة ثم ومن السحت ما يوفق ومنه كفر ـ