إن قضية إكمال الدين وإتمام النعمة بعد يأس الذين كفروا من دينكم ، أن يكون ذلك اليوم من أخريات أيام الرسول (ص) أحيان كان يودّع المسلمين وينفض يديه من بلاغ الإسلام ، إذا فالآية هي من أخريات الآيات الرسالية النازلة عليه ، يوم لم يبق له من أصل الدين بوصله وفصله أية هامة (١).
فهل يعني ـ بعد ـ يوم ابتعاث الرسول (ص)؟ ولم يكن يومئذ لهم دين حتى يكمل به إلا الشرك ، ولم ييأس (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) ـ لو كان لهم دين ـ منذ بزوغه ، بل كانت لهم أطماع شاسعة متوسعة لاستئصاله ، لا سيما وأن الرسول (ص) لم يكن له ولد من الذكران! ، أو أنه فتح مكة المكرمة كما وعده الله له : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) فهنالك إتمام النعمة وإكمال الدين ب (يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ) كما فيه (يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) ب (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً).
فقد رجعت بذلك الفتح المبين عاصمة التوحيد ومهبط الوحي الأمين إلى الرسول الأمين (ص) ، ولكن ليس ذلك الفتح بمجرده مما يؤيس الذين كفروا ـ ككل ـ من دينكم ، كما وأن بينه وبين رحلته (ص) سنتين وقد نزلت فيها آيات تحمل أحكاما أخرى وتوجيهات ، كما و «ليتم ولينصر»
__________________
(١) عن المناقب الفاخرة للسيد الرضي رحمه الله عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عن أبيه عن جده عليهم السلام قال : لما انصرف رسول الله (ص) من حجة الوداع نزل أرضا يقال له : ضوجان فنزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ...) فلما نزلت عصمته من الناس نادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه وقال : من أولى منكم بأنفسكم؟ فضجوا بأجمعهم فقالوا : الله ورسوله ، فأخذ بيد علي بن أبي طالب (ع) وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله لأنه مني وأنا منه وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وكانت آخر فريضة فرضها الله تعالى على أمة محمد (ص) ثم أنزل الله تعالى على نبيه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).