جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) المطلق المهيمن المطبق (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) وهم كل الملل الكتابية والمسؤولون أمام كتب السماء (بِما أَنْزَلَ اللهُ) في هذا القرآن ، فإنه يحمل كل ما أنزله من قبل وما يحتاجه المكلفون إلى يوم الدين.
(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) : تجاوزا عما جاءك من الحق إلى أهواءهم ، وتراه بالإمكان أن يتبع أهواءهم عما جاءه من الحق؟ كلّا ولكن لتستأصل أهواءهم فيه بمحاولة استهوائه بما وعدوه.
وهنا (عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) تحقق له أن يحكم لهم بما أنزل الله في شرعته ومنهاجه ، فلئن اختلف حكم التوراة عما فيها لم يحكم إلّا بما أنزل الله فيها دون التوراة ، وإذا توافقا فالحكم متوافق بين الشرعتين والمنهاجين.
ذلك ، ف (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) يحلّق حكمه الرسالي على الملل الخمس أن يحكم بينهم (بِما أَنْزَلَ اللهُ) من شرعته ومنهاجه ، فلم يخير من ذي قبل بين الحكم وتركه : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) إلّا تخيّرا بين الحكم بما أنزل الله عليه أو تركه إطلاقا حين لا يصدقونه ، ثم (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) وليس القسط هناك إلّا «ما أنزل الله» هنا ، لا سيما وأن حكم الرجم أم سواه كان متحدا بين التوراة وشرعة القرآن.
فليس للرسول (ص) أن يحكم في التحاكم إليه بين غير المسلمين بحكم يخالف شرعته ومنهاجه لمكان النسخ.
فأنت أنت الحاكم المطلق بين الكتابيين أجمعين ، فان شرعتك هي الدين كله : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) «لكلّ» من المذكورين وهم اهل الملل الثلاث اليهود والنصارى والمسلمين ، ومن غير المذكورين وهم أمة نوح وإبراهيم عليهما السلام ، فالمخاطبون هنا هم كافة المكلفين على مدار الزمن الرسالي كله في مثلث الزمان ، ان تحكم على كل ملة رسالية شرعة واحدة في مجالتها.