استمرارية الدعوة القرآنية بدعاتها الربانيين ، فلييأس أهل الكتاب ـ ومعهم أضرابهم ـ من هذا الدين المتين أن يزول أو يذبل ، فعليهم إقام التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم حتى يظلوا تحت ظل الإسلام ليكونوا على شيء من المكنة والمكانة الحيوية ، (وَلَيَزِيدَنَ ... فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
وهكذا يرسم الله للداعية الواعية المحمدية بهذه التوجيهات منهج الدعوة ومنهاجها ، اطلاعا له على حكمة الله وتسلية لقلبه عما يصيب الكافرين ، وأنه لن يصيب منهم هذا الدين المتين أية إصابة ، ولقد نزلت هذه الآية دبر حوادث وكوارث منها ما حاجّ به أهل الكتاب الرسول الأقدس (ص) فحاجهم الله (١).
وهنا (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) تذرو الإيمان بالكتاب دون إقامته في الحياة ذرو الرياح ، فالإيمان دون إقامته هو صورة للإيمان وليس سيرة له ، فإن قضية صادق الإيمان إقامته ، فقد أمروا أن يأخذوا الكتاب بقوة : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٢ : ٦٣) (فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) (٧ : ١٤٥) وكما (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) (١٩ : ١٢) وهكذا بأحرى (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (: ٥) و (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (٥٩ : ٢١).
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٩٩ ـ اخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال جاء رافع بن حارثة وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حرملة قالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة ابراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة وتشهد أنها من حق الله؟ فقال النبي (ص) بلى ولكنكم حدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوا للناس فبرئت من أحداثكم ، قالوا : فانا نأخذ مما في أيدينا فإنا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا نتبعك فأنزل الله (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ ..).