الأرض الذلول هي التي ذلت بعد شماس واستسلمت بعد ارتكاس ، فهؤلاء الأكارم المحبوبون لله المحبون الله ، الأذلّاء مع الله ذلا وذلا ، هم (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) بالله ذلّا وليونة (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) بالله فما في ذلهم على المؤمنين من مذلة ولا مهانة ، إنما هي الأخوة الإيمانية التي ترفع الحواجز من ترفّع وتكلّف ، وتخلط النفس بالنفس فلا يبقى فيها ما يستعصي ويحتجز دون الآخرين.
إن حساسية الفرد وتفرعنه بذاته وإنياته متحوصلة متحيزة ، هي التي تجعله شموسا عصيّا شحيحا على أخيه لا ذلّ له معه ولا ظل منه عليه ، فأما حين يخلط نفسه بنفوس المؤمنين معه فلن يجد فيها ما يمنعه وما يستعصي به ، فما ماذا يبقى له في نفسه دونهم وقد اجتمعوا في الله إخوانا متحابين ، ويحبهم ويحبونه ، ويشيع ذلك الحب العلوي السامق بينهم فيتقاسمونه.
(أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) دون ذلّ معهم ولا ذلّ ، فهم عليهم في شماس وإباء ، عزة للعقيدة واستعلائة للراية التي يقفون تحتها في مواجهة الكافرين ، ثقة بما عندهم من خير الإيمان فلهم ـ إذا ـ تطويع الكافرين لخيرهم ، فهم الأعلون أمامهم مهما انهزموا في بعض المعارك.
٥ ـ (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فحياتهم في كل حلقاتها جهاد في سبيل الله بالقال والمال والنفس والحال على أية حال ، فقد كرّست حياتهم ذلك الجهاد ومهّدت حياتهم ذلك المهاد ، فالوسط الذي يعيشونه ليس إلّا سبيل الله ، لا سبيل الشهوات والرغبات ولا أية طلبات إلّا مرضات الله.
٦ ـ (لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) ولا قومة قائم ضدهم ، ولا أية دوائر تتربص بهم ، إنما يخافون الله ليس إلّا إياه ، وفيما الخوف من لوم الناس ولؤم النسناس وهم قد ضمنوا حب رب الناس وملك الناس وإله الناس ، فهم عائذون به من شر الوسواس الخنّاس الذين يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.