عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ)(٦٠) :
ف (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) الفسق بثالوثه (مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ ..) وكيف «مثوبة» وهي عقوبة مغلّظة تخطت الآخرة إلى الدنيا؟ المثوبة هي من أصل الثوب وهو رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها ، أو إلى الحالة المقدرة المقصودة ، ولأن جزاء الأعمال ليس إلّا ظهور الأعمال فحقائقها فهو مثوبة في خيرها وشرها ، مهما غلب استعمالها في خيرها حيث المثوبة الخيّرة هي المقصودة ، كما أن سببها هي الحالة السليمة الفطرية.
وقد تعني «مثوبة» هنا ـ إضافة إلى أصل الرجوع إلى الحالة الأولى ـ التعريض بهؤلاء أن ثوابهم هو أشد العقاب حيث تخلفوا عن الايمان بالله معاندين.
ذلك ، كما وأن (حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) (٣ : ١٤٨) تقتسم الثواب إلى حسن وسوء والثاني هو العقاب ، وكذلك (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) (٢٨ : ٨٠) تنحو منحى ذلك التقسيم وهذا مثل البشارة الخاصة في أصلها بالخيرات وتأتي تهكما للشر ك (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) حيث تعني لو أن لهم بشارة فليست إلّا العذاب الأليم فضلا عن الإنذار.
وقد تعني (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) شرا من مثلث الإيمان مجاراة وتنازلا بتهكم ، إلى شر فسقهم بثالوثه ، فلئن كان ذلك الإيمان شرا عندكم ف (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَ ..) أشر من ذلك ، وإن صدقتم أن فسقكم ذلك شر ف (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَ ..) أشر من ذلك ، والمعنيان معنيّان حيث يحملان كلا الحقيقة والمجاراة ، ولكن الأصل هنا هو المجاراة حيث المقام مقام النكران.