ومن عجيب التماثل بين ثالوثهم السالف ذلك الثالوث الذي هو شر منه : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ ـ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ـ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ)!
وهنا (عَبَدَ الطَّاغُوتَ) معطوفة على (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) بفاصل ـ وجعل .. ـ أم على «جعل ..» أي جعل منهم من عبد الطاغوت كما جعل منهم القردة والخنازير.
ولا يرد على الثاني أنه يقتضي كون عبادة الطاغوت من جعل الله حيث يعني الإذن تكوينيا بما اختاروا عبادة الطاغوت ، لا تسييرا عليها ولا تشريعا لها ، وذلك مثل (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) والكل من باب (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
ثم المعنى الأوّل وهو أسلم منه ، لا يرد عليه ذلك الفصل فإن «غضب عليه ـ إلى ـ والخنازير» مواصفة ل (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) ، ثم (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) معطوفة على (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) ، وقد يعني العطف كليهما عناية لهما وهو أجمع وأجمل دلالة ومدلولا.
ذلك ، فمن (لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) جماعة من اليهود حيث تغلّب عليهم غضب الله مهما شمل غيرهم كما في آيات (١).
وأما من جعل منهم قردة فهم المتخلفون من أصحاب السبت (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٧ : ١٦٦).
وقد يرجح من جعل منهم خنازير أنهم من النصارى وكما هدّدهم الله تعالى في إجابة دعاء المائدة : (قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ
__________________
(١) كالآية ١٦ : ١٠٩ و ٤٢ ـ ١٦ و ٧ : ١٧١ و ٢٠ : ٨١ و ٨ : ١٦ و ٤ : ١٣ ، حيث تجعل غضب الله على كل من يستحقونه من كافة الملل والنحل دون اختصاص.