فهب إن النار لا تصدر منها إلّا الحرارة النارية ، فهل لو كانت مريدة مختارة لكانت ـ بعد ـ هكذا والفاعل بالإرادة يفعل ما يشاء دون حد إلّا في المحدود الإرادة.
فالعلل المادية التي هي مولدات لمعاليلها ، هي مسانخة لها لا محالة فلا تلد إلّا ما في ذواتها ، ولكنها إذا كانت ذات إرادة وتصميم بإمكانها أن تولد ما تشاء من ذاتها أم من ذوات أخرى ، وأما الله تعالى وهو تجردي الذات فليس خلقه ولادة حتى يشابه خلقه ذاته ، إنما هو خلق بالمشيئة ولا حد لها ولا حدود ، فكيف تنطبق عليه «الواحد لا يصدر منه إلّا واحد»؟!.
ذلك ، فيهود هذه الأمة القائلين هذه المقالة هم أهود من سائر اليهود إذ هم ما غلّوا يد الله تعالى عما سوى الخلق الأوّل مهما غلوها عن التدبير دائما أو أحيانا.
أو قد عنت اليهود الأغبياء فقر الله في المال وكما (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ ..) (٣ : ١٨١) فعلّهم عنوا هنا نفس المعنى ، وهو في نفس الوقت تعريض بالمسلمين الفقراء في البداية إن إلههم فقير ، لا أن الله الذي هم يعتقدونه فقير.
فقد بان البون بين قيلة اليهود «إن الله فقير ـ يد الله مغلولة» وبين قيلة يهود هذه الأمة إن «الواحد لا يصدر منه إلّا واحد» حيث غلّوا يدي الله عن كل خلق إلّا الخلق الأوّل الذي هو واحد كما أنه نفسه واحد لانطباق هذه القاعدة وقاعدة مسانخة العلة والمعلول!.
لقد قالت اليهود أمثال هذه القولة «إن الله فقير» بمناسبات عدة منها فقر المسلمين
الأولين ، ومنها أمثال قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (٢ : ٢٤٥) قائلين إن الله الذي يستقرض من عباده الفقراء هو