فضيح للواضح وضح النهار ، أن كل تارك لشيء تارك له! ذلك ، ولم يسبق لذلك التعبير من نظير لهذا البشير النذير.
ثم وتراه أمر بتبليغ كل ما أنزل إليه دفعة واحدة؟ ولم ينزل إليه دفعة واحدة حتى يبلغها دفعة واحدة! كيف وقد نزل ما نزل إليه نجوما تدريجية : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (١٧ : ١٠٦) ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) (٢٥ : ٣٢).
ومن ثم فما هو الحكم النازل عليه منذ بزوغ رسالته حتى الآن لم يبلغه؟ والأحكام القرآنية معروفة ، كلما نزلت آية أو آيات كان يقرءها مباشرة ودون مكث ، فلم يكن مكثه إلّا حسب مكث نزولها ليس إلّا وكما أمر دون أي تباطئ.
إذا فهو بعض ما أنزل إليه ، فما هو ذلك البعض الذي لو لم يبلغه لم يبلغ شيئا من رسالته؟ فإن «رسالته» تعني كلها دون البعض منها وإلّا لكانت العبارة «لم تبلغ ما أنزل إليك» أو «لم تبلغه» والنص (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ككلّ ، فقد كانت رسالته هذه مربوطة النياط بتبليغ (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وهو النازل الخاص إليه الذي يضمن في حضنه كل النازل عليه من رسالة الله من حيث المحتد والمنزلة.
فما هو (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الذي (إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) وهو تعبير منقطع النظير في سائر القرآن يحمل حكما منقطع النظير يبلغه ذلك البشير النذير تحقيقا لبلاغ رسالة الله هذه الخالدة إلى يوم الدين؟.
ومن سمات (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) هنا المسماة تلويحا فوق كل تصريح أنه «من ربك» دون «الله» أو (رَبِّ الْعالَمِينَ) مما يلمح صارحا صارخا أن (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يجمع في حضنه كل الربوبية الربانية الخاصة بهذه الرسالة