او : لأضيقن عليهم مجاري الأنفاس من إحناكهم بإيصال الوسوسة لهم ، وتضاعف الإغواء عليهم ، يقال : احتنك فلان فلانا إذا أخذ بمجرى النفس من حنكه فكان كالشبا في مقلته ، والشجا في مسعله» (١).
او أنها كلها معنية تجمعها احتناكه لهم كالحمار حيث يؤخذ بحنكه فينقاد حيث يقاد احتناكا فطريا ـ عقليا ـ فكريا ـ عقيديا ـ عمليا ـ سياسيا ـ اقتصاديا إمّا ذا حيث الشيطان يحتنك كلّا حسب المكنة والاستطاعة بما عنده من هذه وتلك ، وعلى أية حال إنه يحقق نصيبه في كلّ باستحمار يناسبه بعلم او مال او مقال أمّاذا ، و «قليلا» يعني المنحسرين عن احتناك الشيطان ، المنحصرين بالله وفي الله فلا ينجو عن ذلك الاحتناك ـ قلّ او كثر ـ إلا القليل.
وترى من القليل المستثنى من احتناك الشيطان؟ هناك قلة مخلصة لا تشملهم أية غواية علمية او عملية او عقائدية أماهيه (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٣٨ : ٨٣) ثم له سلطان أيا كان على غير المخلصين : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (١٥ : ٤٢) ففي كل غواية سلطان للشيطان من سيئة صغيرة الى كبيرة والى كفر مطلق ، مهما اختلف سلطان عن سلطان ، فمن يتبع الشيطان كان للشيطان عليه قدر اتباعه سلطان ، فمنهم من ينجو بتوبة او شفاعة او رجاحة الحسنات او ترك كبائر السيآت ، ومنهم من لا ينجو إلا دخولا في النار لفترة طالت ام قصرت ثم يخرج الى الجنة ، ومنهم من يخلد بخلود النار ثم يفنى بفناء النار (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ).
فلا ينجو من سلطان الشيطان ككل إلّا فريق من المؤمنين لا كلهم :(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣٤ :
__________________
(١) بين القوسين منقول عن مجازات القرآن للسيد الشريف الرضي ص ٣٠٢ ـ ٢٠٣.