خلقكم (بِكُمْ رَحِيماً) وإزجاء الفلك هو من مظاهر الرحمة الرحيمية الربانية.
أنتم تنساقون على الفلك بتنسيق الرب ، فكونوا في الحياة كلّها على النسق الذي يسوقكم الرب ، ولا تدعوا من دونه أربابا ، لكنكم توحدونه عند الضر وتشركون به حين النجاة.! (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً)(٦٧).
هنا لك إزجاء رخي بغية الرحمة ، وهنا اضطراب عتي ، مشهد لطيف عطيف يجمع بين الرخاء الرجاء ، ومكابدة العناء ، حيث تحس القلوب الواجفة المتعلقة بكل رجفة وهزة كالريشة الصغيرة الهزيلة في مهب الرياح القاصفة على ثبج البحار والموج الجبار! (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) في خضمّ هذه الرحمة المزجية «ضل» عن قلوبكم ونفوسكم وتعلقاتكم (مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) حيث القلوب حالة الرخاء متعلقة بالله وسواه ، تحسب أن لمن سوى الله دخلا في نجاة ونجاح ، فإذا وقع في واقع منقطع عمن سوى الله كالبحر الملتطم ، ينسى الركب في الفلك المتناوح بين الأمواج كل قوة وسناد إلّا الله ، إذ لا يرى إلّا الأمواج ، وحينذاك تظهر بارقة الفطرة المتعلقة في عمقها بالله ، ويبرز رجاء واحد ليس إلّا بالله ، رغم خفاءه عن الأبصار ، وجلاء سواه للأبصار ، فهنا تتفتح البصيرة المغشية وتغمض الأبصار ، ويظهر الرب للبصائر كالشمس في رايعة النهار!.
(فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) ... فحين تنجلي الغمرة ينمحي نور الفطرة حيث الإنسان هو الإنسان كأن كيانه النسيان ، يضل هنا عنه الله ، كما ضل عنه قبله من سواه ، حيث تتقاذفه الأهواء ، وتتجاذبه الى غير الله