العذاب ، فلا هم هناك صم بكم عمى ما هم هنالك ، ولا هم يسمعون ويتكلمون ويرون ما هم هناك ، فقد يعذبون عذابا فوق العذاب فقدانا لهذه ، وقد يعذبون وجدانا لها ، مهما كانوا عميا عن الحقائق الموجودة» (١).
وتراهم يقرءون كتابهم إن كانوا من أصحاب اليمين ولا يظلمون فتيلا ، فهل يظلم اصحاب الشمال العمى كما لا يقرءون كتابهم؟
كلّا! (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٤٠ : ١٧) وقد اختص هنا أصحاب اليمين بنفي الظلم لأنهم بذلك أحق وأحرى.
وقد لا يعني (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) عمى من قراءة كتابه ألّا يستطيعها ، وإنما عمى القلب عن الحقائق الموجودة (٢) مهما قرء كتاب شرعته وأعماله وسقوطه ، فالآخرة نسخة كاملة عن الدنيا باعمالها حيث تظهر فيها
__________________
ـ مِنْ يَحْمُومٍ) الى آخر الآية أقول : من استدلاله (عليه السلام) بقوله تعالى (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ...) يعرف أنه كتاب الشرعة ، وعلما مراد ان في الآية.
(١) نور الثقلين ٣ : ١٩٥ ح ٣٥٠ في عيون الاخبار في باب مجلس الرضا (عليه السلام) مع اهل الأديان والمقالات في التوحيد كلام الرضا (عليه السلام) مع عمران وفيه : إياك وقول الجهال اهل العمى والضلال الذي يزعمون ان الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عز وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة ابدا ولكن القوم تاهوا وعموا عن الحق من حيث لا يعلمون وذلك قوله عز وجل : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) يعني أعمى عن الحقايق الموجودة.
(٢) المصدر ح ٣٥٢ في كتاب التوحيد باسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) قال : من لم يدله خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر والآيات العجيبات على ان وراء ذلك امر أعظم منه (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً).