بصيرة (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) هالكا في بعدين من الأبصار ، حيوانا في بصرك ، وإنسانا في بصيرتك!.
يقول : «لأظنك» حال انه متيقن معلوم ، رعاية لأدب المناظرة ألا يتجاوز الكلمة الفرعونية : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى) ظنا بظن ، ولا يملك ظن فرعون حجة ، ولموسى الحجة البالغة في يقينه ولكنه يعبر عنه بالظن معارضة بالمثل!.
والمثبور هو الهالك المدمر بجهله وجهالته تقصيرا ، حيث غربت بصيرته وعزب عنه عقله ، بما أهلكه طغيانه ، وأنساه إنسانه.
وترى لماذا «هؤلاء» وهي لمن يعقل؟ علّه لأنها بصائر للعقول ، صادرة عن خالق العقول لمن يعقل.
ثم وسناد هؤلاء الى رب السماوات والأرض تنبيه انها ليست لتصدر عن غيره ، فأنت أنت يا فرعون تدعى (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ولا تقدر على أصغر آية منها او تدفع عنها ، فكيف تعطف بها الى سحر ام جنون ، في حين ان العقلاء بأجمعهم لا يستطيعونها ولا أصغر آية منها ، وحتى الأرضية فيها فضلا عن السماء!
(فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً)(١٠٣).
إرادة استفزازية فرعونية ، فرارا عن الحجج الموسوية بالبصائر الإلهية ، ولجوء إلى طغوى مادية هي سنة للطغات ، حيث يواجهون الحجة العقلية بالقوة المادية اللّاعقلية ... فلانه ما استطاع استفزازا لحجته وصدا عاقلا
__________________
ـ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ» أراد ان يخرجهم من الأرض وقد علم فرعون وقومه ما انزل تلك الآيات الا الله عز وجل ، وتؤيده الآية : وجحدوا بها واستيقنها أنفسهم ... بعد الآية : فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين.