خرفوا له او هرفوه ، اللهم إلا (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)!
وما يروى عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ان طائره هو سعادته او شقاوته باعمالهما ليس ليعني إلا ما تعنيه الآية من إلزام العمل الملتزم بالاختيار دون إلزام الإجبار ، (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فلا قضاء أزليا يحتم على الإنسان سعادة او شقاء الا بما يحتّمه الإنسان على نفسه كما يحتمه اختيارا دون إجبار.
وترى ان «طائره» يختص عمله بجوارحه؟ ام وقوله فانه من عمله الطائر ، ام وعقيدته ونيته فإنهما من اعمال الجوانح كما تلكما من الجوارح؟ وهما ايضا طائرتان؟
إن الطائر كطائر يعمها كلها (١) فانه يحاسب بها كلها ولا سيما طائر العقيدة فانها تحصّل يوم يقوم الاشهاد كما يحصّل غيرها : (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) (١٠٠ : ١٠).
ولا يعني التحصيل هنا إلا تكريس ما في الصدور كتابا يقرأ تفهما دون سماع او إبصار ، تحصيلا لعقائد أو أفكار ونيات هي من طائر الصدور : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٣ : ٣٠) : فيا للإنسان من نفسه مسجلة تسجل مثلث القول والفعل والسريرة كما قال او فعل او أسر ، ومهما غفل ـ لطول الأمد ـ عما نوى او اعتقد او قال او اعتمل كشف عنه غطاءه يومئذ
__________________
(١) فالعمل إذا قورن بالقول والعقيدة دلت قرينته على ان العمل بالأركان فقط ، وإذا اطلق دون قرينة شمل قرينيه ، واما الطائر الموحي الى كيان العمل اثباتا مصدقا ، او نفيا في مثلثته ، فهو طائر اللسان والجوارح ، والفكر والعقيدة دون إبقاء :