الرسل ثم سائر المؤمنين بمراتبهم وإليكم مثل الكافرين :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠).
بعد مثل النور لأهل النور هنا مثلان لمن لم يجعل الله له من نور : برّي (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ ...) وبحري (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ...) مشهد ان رئيسيان من مشاهد الظلمات للذين كفروا.
في المشهد الأول يرسم أعمالهم في واقعها المضاد لما يزعمونها يوم القيامة «كسراب» : مظهر ماء جار (١) «بقيعة» : أرض مكشوفة مستوية على ضوء الشمس ، حيث يبصرها الرائي من بعد كأنها تتلمع ماء مائجا صافيا هائجا ، يحسبه كل راء ماء ، ولا سيما الظمآن : شديد العطش الذي يفتش عن ماء ، فغير الظمآن لا يجيئه إذ لا يحتاجه وقد لا يعرف خطأه ، والعطشان غير الظمآن قد لا يجيئه ، ولكنما الظمآن يجيئه حتما متوقعا ريّه ، فيفاجئ خلاف ما يتوقع ، فالظمآن السائر وراء الشراب يتوقع هناك الشراب ، يصله فلا يجد إلّا السراب ، مفاجأة مذهلة لم تخطر ببال ، وقد تتقطع عندها الأوصال فتورث الخبال : (حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) وجده في تخيّله من بعد! (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) : عند السراب الذي هو لا شيء ، وعنده نفسه حيث لم يأت بشيء ، صفر اليد عن كل شيء يصلح
__________________
(١) السراب ما يتراءى للعين وقت الضحى الأكبر في الفلوات شبيه الماء الجاري يقال : سرب الماء يسرب سروبا إذا جرى فهو سارب ك (سارِبٌ بِالنَّهارِ) (١٣ : ١٠) اي ماش فيه.