لحضور الرب (فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) في حسبانه بعمله الحابط (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) دون تباطئ في أصل الحساب ، ليس «فوجد الله عنده» وجدانا له بإدراك حسي فما فوقه ، إنما وجدانا لحضوره حيث لا يجدون موئلا سواه ، وقد كانوا غيّبا عنه يوم الدنيا فهم في غفلة منه وغفوة يعملون ما يشاءون كأن لا إله ، ثم كشف عنهم غطاءهم يوم الأخرى فوجدوا الله عند أعمالهم بسرابها حاضرا حاذرا موفيا حسابهم سريعا دون إمهال!.
فلأن أعمال الذين كفروا لا تهدف إلّا شهوات الحياة الدنيا وزهواتها ، وهم يزعمونها هادفة نافعة رغم أنها حابطة زائفة زاهقة ، فهي إذا كسراب بقيعة الدنيا ، يحسبه ظمآنها ماء الحياة رغم أنها بلاء الممات ، وهو يعيش ذلك الحسبان البعيد البعيد ما دام غارقا في تلكم اللذات وحياة الخيالات ، فهو من «الأخسرين (أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٨ : ١٠٤)(حَتَّى إِذا جاءَهُ) إذ جاءت سكرة الموت ، فيرى من أعماله غير ما كان يراه إذ كانت على بصيرته غطاء : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٥٠ : ٢٢) (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) في واقعه ، رغم ما وجده أصل الحياة في حسبانه (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) : عنده نفسه وعند عمله الحابط الهابط ، فلا يملك هنالك أحد شيئا إلّا الله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ)(فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) خلاف حسبانه (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) رغم ما كان يحسبه ألّا حساب لا بطيئا ولا سريعا!.
فأعمال الذين كفروا حابطة (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (٣ : ٢١٧). وهي عليهم حسرة يوم يرونها كما هيه : (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) (٢ : ١٦٧) فإن (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ