وقد يشمل (الَّذِينَ كَفَرُوا) في مثله الأول ، المتظاهرين بالإسلام وهم كفار ، والمضلّلين في عقائدهم وأعمالهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فهم يرونها حسنة وهي كسراب بقيعة ، ثم المثل الثاني يختص بالكفر المطلق.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)(٤٢).
هنا وفي الأسرى (يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ ...) : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ...) (١٧ : ٤٤) وفي سائر القرآن «يسبح أو سبح ما ...» (١) ففرق بينهما ب «من» و «ما» فهذا يعم تسبيح الكون أجمع بما فيه ومن فيه ، تكوينيا حيث يدل بكمال صنعه على كمال صانعه وهو للكون كله ، واختياريا وهو يخص بعض الكون ، ولكن «من» قد تعني ذوي العقول وأضرابهم في شعور التسبيح كالطير أماذا من حيوان سوى الإنسان والملك والجان ، أو أنها تعني كما تعنيه «ما» كما في الأسرى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ...)؟ ف (سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ...) (٢١ : ٧٩)!
وقد يتأيد عموم «من» هنا مثل «ما» بأنها لو عنت تسبيح الإختيار القاصد من ذوي العقول الخصوص لما شملت إلّا المؤمنين ، وظاهر (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) استغراقه للكلّ ، والكافر لا يسبح باختيار وإيمان ، وإضافة الطير قرينة أخرى أنه الكل ، فمؤمنهم العالم (قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ
__________________
(١) سبّح لله ما في السماوات وما في الأرض ٦١ : ١ و ٥٩ : ١ والأرض ٥٧ : ١ يسبح له ما في السماوات وما في الأرض ٦٢ : ١ و ٦٤ : ١ والأرض ٥٩ : ٢٤.