وصهرا» (٢٥ : ٥٤) ولكنه ـ كما الماء المادة الأولى ـ ليس الماء المعروف ، بل (ماءٍ دافِقٍ) (٨٦ : ٦) و (ماءٍ مَهِينٍ) (٣٢ : ٨).
فماء الكون أجمع يشمل ماء كل حي وسواه ، وماء الحياة يشمل كل دابة وسواها من حي ، مياه ثلاثة أولاها المادة الامّ ، وثانيتها مادة الحياة ، وثالثتها مادة الدواب ، أترى أن الأخيرين واحد هو الماء ، فلما ذا خصت هنا كل دابة دون كل حي كما هناك؟ علّه لأن ماء الدواب هو المني مهما كان أصله الماء ، وأما الملائكة فلا مني في خلقهم إذ لا تناسل بينهم ، وأما الطير فهي وإن كانت من ماء المنى ، ولكنها ـ إلّا ما شذ ـ تخلق من بيض مهما حصلت من مني ، وأما الدواب فلا بيض في خلقها إلا توالدا من مني يمنى!
فأحياء الكون من دابة وسواها مخلوقة من ماء ككلّ ، ولكنما الدواب تخلق من ماء المني مهما كان أصله الماء ، دون غير الدواب إلّا نذرا.
وقد تلمح التنكر في «من ماء» أنه غير الماء الذي جعل منه كل حيّ أو يعمه ، كما التعريف في «من الماء» لمحة إلى أنه الماء المعروف ، أن جعل كل حي منه كما أن بقاءه به!
ثم «خلق» هنا و «جعلنا» هناك لمحة ثانية إلى الفرق بين المائين ، فالخلق هو التقدير ، والجعل البسيط كما هنا هو الإيجاد ، فقد قدر كل دابة ولادة من ماء ، كما جعل كل حيّ ـ تكوينا يعم الولادة ـ من الماء!
فالأحياء ذات أصل واحد هو الماء ، والدواب ذات أصل واحد من ماء ، والكل مع سائر الكون ذو أصل واحد سمي ماء هو المادة الأم ، فلا أصل للكون أيا كان إلّا مثلث الماء ، فلا مجرد عن المادة إلّا خالق الكون! والكون بروحه وجسمه ينتهي إلى الماء إذ (كانَ عَرْشُهُ) في خلق السماوات والأرض بما هما الكون المخلوق أجمع ، كان (عَلَى الْماءِ) : المادة