ما نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه ، فأبدلنا الله بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى» (١)
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٥٥).
نرى إجمالا من هذا الوعد الصدق في آية مكية حينما الأخطار حادقة والأشرار مسيطرة على عاصمة التوحيد ، فدين الله في تقية والديّنون في تخوّف لا يأمنون على أنفسهم شيئا ، والمشركون مسيطرون على بيت الله وعاصمة الإسلام ، نراها تعد المضطرين المستضعفين الداعين خلافة الأرض : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٢٧ : ٦٢) ولكنهم ما لمسوا في العهد المكي طرفا من ذلك الوعد!
ثم نرى في هذه المدينة تفصيلا لذلك الوعد ، علّه يشير إلى الوعد المكي «وعد» على تبدّل ل ـ (الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) ب ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وفيهما لمحة باهرة أن اضطرار المؤمنين العاملين الصالحات ينتهي إلى خلافة الأرض شرط (إِذا دَعاهُ) لا فقط في المقال ، فإنه واقع لهم على أية حال دون واقع لوعدهم ، بل وفي الحال والأعمال أن يصبحوا دعاء : إيمانا حركيا وعملا صالحا حركيا يزعزع عروش الضلالة ويتبنى عرش الحكم الحق ، فاستخلافا لهم في الأرض ، وتمكينا للدين المرتضى وأمنا بعد الخوف ، وعبادة لله خالصة دون إشراك.
ذلك هو الإيمان النشيط البنّاء إذ يستغرق النشاطات الإنسانية بأسرها ،
__________________
(١) نهج البلاغة عن الامام علي امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.