إخراجا لها عن أسرها وحصرها ، وتحريرا لها ، إعلانا وإذاعة شاملة في مختلف صور الأعمال ، جهادا في سبيل الله ، وتحقيقا لخلافة الله على الأرض ، دون إبقاء على ما تهوى الأنفس إلّا هواه ، متجها بكله إلى الله : بميول الفطرة ـ أشواق القلب ـ لفتات الروح قضاء على كافة الفلتات.
لقد قضى المسلمون الأولون عهدي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مكيا ومدنيا في تخوف واضطراب واضطرار ، تصبّرا على كل أذى ولظى في مكة ، وخائفين في المدينة «يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح فصبروا على ذلك ما شاء الله ثم إن رجلا من الصحابة قال : يا رسول الله! أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما ياتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لن تصبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم ليست فيه حديدة»! وأنزل الله هذه الآية فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فأمنوا ووضعوا فيه السلاح. (١) و «لما نزلت قال (صلى الله عليه وآله وسلم)» بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب» (٢).
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٥٥ ـ اخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وعبادته وحده لا شريك له سرا وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة فقدموا المدينة فأمرهم الله بالقتال وكانوا بها خائفين يمسون ... وفيه اخرج ابن المنذر والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة فكانوا لا يبيتون إلّا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا : أترون انا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف الا الله فنزلت ...
(٢) الدر المنثور ٥ : ٥٥ ـ اخرج احمد وابن مردويه واللفظ له والبيهقي في الدلائل ـ