هناك أمور فردية تخص أشخاصهم ، ليس في الإخلال بها إلّا إضرار بأشخاصهم ، وهنالك أمور جامعة بينهم ، تجمع في جمعهم مصالحهم في مختلف مصلحياتهم ، يجب عليهم الشخوص إليها ، حيث الشخوص عنها إضرار بالمجموعة وعنده الطامة الداهية عليها!
فهذه الآية تعريفة بالمؤمنين جامعة للعلاقات الفردية والجماعية ، تتبنيّان الإيمان الصادق بالله ورسوله ، فأما أن تكتفي بالعلاقات الفردية تركا للجماعية ، أو تتركها إلى الجماعية ، فهذا نقصان في الإيمان أم فقدان لأصل الإيمان ، كما في الذاهبين عن أمر جامع نفاقا حيث يتركون رفاقهم دونما ضرورة في تركهم (١) بغير استئذان أم باستئذان نفاق : (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً. وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) (٣٣ : ١٤) فالاستئذان يخالف أصل الإيمان ، حتى يتبين فيه الصادق العاذر عن الكاذب الغادر (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ. لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٦٠ ـ اخرج ابن إسحاق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظي قالا : لما أقبلت قريش عام الأحزاب نزلوا بمجمع الاسيال من بئر رومة بالمدينة قائدها ابو سفيان وأقبلت غطفان حتى نزلوا بتغمين إلى جانب احد وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخبر وضرب الخندق على المدينة وعمل فيه وعمل المسلمون فيه وابطأ رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعيف من العمل فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا اذن وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله ويستأذنه في اللحوق لحاجته فيأذن له فإذا قضى حاجته رجع فانزل الله في أولئك المؤمنين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ...)