«نزل» الماضي تشمل المنزّل من المفصل في المستقبل كما مضى ، حقيقة فيما نزل ، وتحقيقا فيما سوف ينزّل ، حيث المستقبل المتحقق الوقوع يعبر عنه بالماضي ، وهكذا الأمر في سائر التعبير عن تنزله في سائر القرآن (١).
ثم القرآن كله فرقان محكما ومتشابها ، وعلّ اختصاصه في الحديث بالمحكم اختصاص بغير الراسخين في العلم ، الذين لا يفهمون متشابهه في نفسه ، وبإرجاعه إلى محكمه ، وأما الراسخون فالقرآن كله لهم فرقان ، على درجاتهم في تفهم الفرقان.
ولأن الفرقان فعلان من الفرق ، اسم مصدر مبالغ في الفرق ، فهو القرآن البالغ في فرقه بين الحق والباطل.
ولذلك يعبر عنه ككل بالفرقان : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) (٢ : ١٨٥) (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) (٣ : ٤).
كما وهو البالغ في فرقان التنزيل نجوما طائلة : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (١٧ : ١٠٦).
إذا فالقرآن فرقان كله في البعدين ، وأولهما أولاهما حيث يفرق فرقا واضحا لا ريب فيه بين كل حق وباطل ، طول الزمان وعرض المكان ،
__________________
(١) المصدر ابن بابويه باسناده عن يزيد بن سلام انه سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لم سمي الفرقان فرقانا؟ قال : لأنه متفرق الآيات والسور نزلت في غير الألواح وغيره من الصحف والتورية والإنجيل والزبور أنزلت كلها جملة في الألواح والورق ، أقول : وهذا وجه آخر في كون الفرقان هو القرآن كله.