ومن فرقه فارق التعبير فصاحة وبلاغة وحتى في موسيقاه عن سائر التعبير ، وأنه الفرقان المعجزة الوافية بنفسه دون سائر الوحي ، والفارق بين حق المروي من السنة وباطله ، فرقان في منهجه ومبلجه فلا يشبه اي منهج إلهيا وسواه ، حيث يمثل عهدا جديدا منقطع النظير عن كل بشير ونذير ، جديدا في المشاعر ، ينتهي به عهد الطفولة ، ويبدأ به عهد الرشد بأشده ، وينتهي به عهد الخوارق المتعوّدة ، ويبدأ به عهد المعجزة العقلية والعلمية أما هيه ، وينتهي به عهود الرسالات الموقوتة.
ولأنه هكذا فرقان ف (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) فرقان الرسول ورسول الفرقان ، فرقانان متجاوبان في كل زمان ومكان ...
(نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) دون رسوله ، لأنه بعبوديته القمة يستأهل ذلك التنزيل ، ثم ويرسل للعالمين نذيرا بذلك التنزيل ، وما أحلاها صيغة العبودية وصبغتها ، بسابقتها للرسالة وسابغتها ، فلا تصوغ الرسالة إلّا بعد صبغها كاملة متكاملة ، كافلة متكافلة ، فمن ثم هي آهلة سائغة للرسالة بالفرقان (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) ، هذا ، وكما هو عبده في إسرائه (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) وفي دعائه (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) مثلث من قمة التكريم ، في أهم أدواره الرسالية دعاء وهي مخ العبادة ، وعروجا لمقام التدلي ، وتنزيلا للفرقان!
(لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) دون قومه ـ فقط ـ أم والعرب فحسب ، أم عالمي زمنه ، أم لردح من الزمن ، وإنما «للعالمين» من الجنة والناس ـ أمّن هم ـ أجمعين ، في كل زمان ومكان ، ولأن العالمين جمع لعالم ذوي العقول ، فلأقل تقدير هناك عالم ثالث لا نعرفهم ، وقد تشير إليهم آيات العالمين ، وآية الشورى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ).