محجورا ، حتى تنمحي آثار المواجهة عن بكرتها.
(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً)(٢٣).
كيف «قدمنا»؟ وما له تعالى من قدم! وأين (ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ)؟ وما لهم من صالح الأعمال! وطالحها هباء قبل الإحباط! القدم منه تعالى ليس كسائر الأقدام ، وإنما هي كناية لطيفة عن الإقدام ، حيث الإقدام الجادّ هو حسب العادة بالأقدام ، ثم القادم ليس إلّا عن غياب وليس لله غياب ، اللهم إلّا غيابا عمليا عن إحباط أعمالهم قبل الموت ، فلأنه عاملهم معاملة القادم من غيبة ، إذ كان بطول إمهاله لهم كالغائب عنهم ، ثم قدم فرآهم على خلاف ما استعملهم وهداهم فأحبط أعمالهم ، وعاقبهم عقاب العاند عن الطاعة ، العامد في المعصية ، المرتكس في الضلالة.
ثم (ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) بين صالح وطالح ، فجعل صالحه هباء منثورا ، وأظهر طالحه ـ خلاف ما ظنوه صالحا ـ هباء منثورا ، في حين (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
و (هَباءً مَنْثُوراً) هو الغبار الهابي الرقيق «وشعاع الشمس الذي يخرج من الكوة» (١) «وريح الغبار يسطع ثم يذهب فلا يبقى منه شيء» (٢) ، كناية عن البطلان لما عملوا من عمل ، فقد أبطل ذلك العمل ، فعفّى رسمه وسقّط حكمه ، وبطل بطلان الغبار الممحق ، والغثاء المفرّق (٣).
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٦٦ ـ اخرج جماعة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله : هباء منثورا.
(٢) المصدر ـ أخرجه جماعة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الآية.
(٣) المصدر اخرج سمويه في فوائده عن سالم مولى أبي حذيفة قال قال رسول ـ