فان الصلة القرآنية درجات ، وهجره دركات حسب ترك الدرجات :
فمنهم من هجروا الإيمان به ، فلم يفتحوا له أسماعهم ، بل وجعلوا أصابعهم في آذانهم ، خوفة منهم أن يجتذبهم فلا يملكون لقلوبهم عنه ردا ، ثم وهجروا فيه بما هرفوا وخرفوا وألغوا فيه.
ومنهم من أسلم له نفاقا دون وفاق ، إسلاما في صورته ، وكفرا بسيرته وهم المنافقون.
ومنهم من آمن به ، سامعين لآياته وقارئين ، ولكنهم لا يتدبرون معانيه ، ولا يستشعرون مبانيه ومغازيه.
ومنهم من يعتمده الأصل الاوّل والأخير من التشريع الإسلامي ، وعلى ضوئه السنة المحمدية ، ولكنهم هجروا دراسته ، وأخلدوا إلى ما يسمونه علوما إسلامية ، تخيلا أنها تقدّمهم لتفهمه ، وبالمآل نرى الحوز الإسلامية تؤصّل كل دراسة إلّا القرآن ، لحد أصبح طالب علوم القرآن ودارسة ومدرسه ومفسره من البطالين في قياسهم ، البعيدين عن العلوم الحوزوية ، فأصبح القرآن مهجورا عن حوزاته ، لا يدرس إلّا هامشيا دونما تدبر لائق به (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٤٧ : ٢٤)؟ أجل وعلى قلوب أقفالها في إغفالها القرآن وإقفال باب مراسته في دراسته.
فنحن ـ إذا ـ ممن لم يتخذ مع الرسول سبيلا ، حيث هجرنا أعظم السبل معه إلى الله وهو كتاب الله ، ومن خلفياته ترك الرسول بترك سنته حيث لا تعرف إلّا عرضا موافقا لكتاب الله ، فقد تركنا ـ إذا ـ كلا الثقلين ، فنحن من الظالمين الذين يشكونا الرسول عند ربه يوم يقوم الأشهاد.
وهكذا راح القرآن يهز القلوب المقلوبة بهذه المشاهد المزلزلة المزمجرة ،