وان شمس الهداية القرآنية ، الشارقة بأنوارها على قلب رسول الهدى ، هي بظلالها ، الملبس المريح ، والظل الظليل ، والروح المحيي في هاجرة الكفر والعناد والعصيان ، في هجر الصحراء القاحلة الجاهلة المحرقة ، في العهد المكي الوبيء ، والعهد المدني الندي.
فكما لو كانت الشمس ساكنة ، فالأظلال ـ إذا ساكنة ، استحالت الحياة في ظلها الدائب دون حراك ، ولو كانت سرعتها ابطأ أو أسرع مما هي الآن ، لاستحالت أيضا أو صعبت ، كذلك الظل في شمس الهداية الربانية ، حيث يخلّف حياة ميتة دون حراك ، ولكنما الأظلال المتواترة ، حسب الآفاق المعرفية ، والقابليات والفاعليات ، مما تجعل العالمين في حراك دائب ، تقدمة دائبة إلى الكمال اللائق ، وتجربة مكملة لكل الأجيال : (... لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٥ : ٤٨).
إذا فتنزيل القرآن جملة واحدة ، وأنه رأس الزاوية في آيات الرسالات ، وما إلى ذلك من ميّزات هذه الرسالة الأخيرة ، إنه الظل الظليل الدائب لشمس الهداية الربانية ، وليس بدعا من الأظلال ، مهما حلّق على كل الأظلال ، استئصالا لكل إضلال ، فإنما هو ظل ممدود منذ بزوغ شمسه ، في الطول التاريخي والعرض الجغرافي ، وكما يروى «القرآن يجري كجري الشمس».
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً)(٤٧).
كأننا حين نتّشح بظلام الليل نلبسه كلباس ، ففيه تنقطع الحركات ، فتغطية ظلام الليل للنشوز والقيعان واشخاص الحيوان ، كما تغطي الملابس