أم هو مرج القرن ، ألّا فاصل محسوسا بين بحري العذب الفرات والملح الأجاج ، وهو المعني من مرجهما هنا (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) فاصلا (وَحِجْراً مَحْجُوراً) عبارة أخرى عن الفاصل بينهما ، فقد خلاهما في مذاهبهما ، وأرسلهما في مجاريهما كما تمرج الخيل ، اي تخلى في المروج ، وهي مواضع مراعيها ، ووجه العجاب هنا أنه سبحانه مع التخلية بينهما في تقاطعهما ، والتقائهما في منافعهما ، لا يختلط الملح بالعذب ، ولا يلبس العذب بالملح ، إذ قد مرج بينهما.
ثم هنا من ماء السماء ، إلى ماء الأرض والبحر وإلى ماء النطفة ، فكل منها مادة للحياة :
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً)(٥٤).
أترى «الماء» هنا هو مطلق الماء الذي جعل منه كل شيء حيّ ، ف «بشرا» يعم البشر الأول كنسله سواء؟ ولم يخلق آدم من ماء ـ فحسب ـ بل من تراب وطين! (... وَبَدَأَ خَلْقَ (١) الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٣٢ : ٨).
ف «الماء» هنا هو خصوص ماء المني ، كما «بشرا» يخص نسل الأبوين الأولين.
ومقابلة «صهرا» ب «نسبا» قد تدلنا أنه السبب التالي للنسب ، فالأوّل من ذلك الماء نسب من بنين وبنات ، وأحفاد ، ثم الثاني سبب في زواج البنين بالبنات الأغارب ، والبنات بالذكور الأغارب ، فالنسب هو الماء الأول ، والصهر السبب هو التالي ، وقد يعني النسب الذكر ، والأنثى هي الصهر لأنها موضع الصهر ، وعلى أية حال فهو السبب قبال النسب ، أيا كان سببه.