تاب ، ولا هو فاسق عند الناس كيلا تقبل شهادته ، ولا هو فاسق عند الله لكي يعذب في يوم الله.
فحتى إذا اختص الاستثناء بالجملة الاخيرة (١) وهي هنا فسق القاذف عند الله ، كان شاملا هنا للثلاث فيما سوى الجلد ، لأنها كانت بسبب الفسق عند الله ، فمن كان عادلا عند الله فليكن عادلا عند الناس ، والتائب عن قذفه ، المصلح ، ليس فاسقا عند الله ، فليكن عادلا عند الناس ، فكيف لا تقبل شهادته بعد؟
ف (لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) مخصوصة بعدم التوبة والإصلاح ، وأما بعدهما فشهادتهم مقبولة دون ريبة وكما يؤيده المروي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من آل الرسول (عليهم السلام) (٢) وهل تقبل
__________________
(١) اختلف الاصوليون ان الاستثناء عقيب جمل متعددة مرتبطة ببعض هل يخص الجملة الاخيرة ام يعم الجميع ، والحق هو الثاني فان مقتضى البيان وبلاغته ولا سيما القرآن الذي هو في قمة البيان ان يذكر استثناء ما يستثنى منه وراءه دون فصل حتى لا يشتبه الأمر ، ففي الآية ـ بعد الغض عن دلالته الثانية على شموله للجميع ، لو كان الاستثناء خاصا بغير (لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) لكان حتى الكلام ذكر الاستثناء قبل (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) حتى تكون صريحة في النفي المطلق : (... فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ... وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ... وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً). ثم واو الجمع في الآية تجعل الجمل كجملة واحدة والاستثناء راجع إلى الكل كجملة واحدة فاختصاصه بالبعض بحاجة إلى قرينة صارفة.
(٢) الدر المنثور ٥ : ٢٠ ـ اخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) قال : توبتهم إكذابهم أنفسهم فان كذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم ، واخرج عبد الرزاق عن عمرو بن شعيب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قضى الله ورسوله ان لا تقبل شهادة ثلاثة ولا اثنين ولا واحد على الزنا ويجلدون ثمانين ثمانين ولا تقبل لهم شهادة أبدا حتى يتبين للمسلمين منهم توبة نصوح وإصلاح».