فرغم أن قصة الإفك شاعت في المدينة شيوعا بالغا وتقاذفتها الألسنة ولاكتها الأفواه ، فهي عند الله كذب وإن شملت كل المدينة ، إلّا أن يأتوا بأربعة شهداء شهدوا الفاحشة بأمّ أعينهم ، فالشهداء الأربعة فيهم الكفاية ، فعلى المشهود عليه الحدّ ولهم فضلهم ، ثم لا كفائة في الجماهير المحتشدة دون شهود ، فللمفترى عليه الاحترام وعليهم الحدّ الاخترام.
بإمكانية شخص واحد ، كالذي تولى كبره منهم ، أن يشهّر إفكا لحد يشيع بين الجماهير فيكدّر الجوّ على مؤمن بريء كما افتعل ، وليس بالإمكان أو قليل ما هو ، أن يجتمع أربعة شهداء عدول على شهادة الزور ولا سيما على بيت الرسالة الطاهرة!
فكل رام مؤمنا أو مؤمنة بسوء دون شهادة ، سامعا عمن سواه ، أم شاهدا بشخصه دون شهود سواه ، أو شهادات الزوج ، هو عند الله كاذب فليكذب وليحدّ ولا تقبل شهادته إلّا بعد توبة نصوح!
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٤).
ظاهر الخطاب هنا للذين تلقّوه بألسنتهم دونما تثبيت ، لا الذين جاءوا بالإفك ، فهناك (الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) هو ابن أبي سلول ، ثم الذين تأثروا بإفكه فأصبحوا معه عصبة الدعاية ، ثم الذين سمعوه وظنوا شرا ، ثم المؤمنون الصالحون الذين كذّبوا وقالوا هذا إفك مبين.
فالآية (١١) تشمل الثلاثة الأول ، فإن «جاءوا» هم العصبة و «منكم» مجموعة المسلمين و (الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) قائد العصبة ، والآية (١٢)