فهذه الأجزاء الأصلية مهما ضلّت عندنا في أبدان وسواها ، لن تصبح أجزاء أصيلة لأبدان آخرين ، ولن تضل عن علم الله وقدرته ، فهي تخلق مرة أخرى فتعاد الأرواح فيها (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ..) (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ..) أخذا وافيا لما يعاد من أرواح وأجساد دونما تفلّت لها ولا تلفّت عنها ، فالمعاد في المعاد اثنان : عود الصورة الماثلة للأجزاء الأصلية البدنية ثم عود الأرواح بأبدانها البرزخية إليها.
ثم لا ضرورة في إعادة سائر الأجزاء غير الأصيلة ، بل هي مستحيلة في هذه التي كانت أصيلة لآخرين حيث يظل أصحابها بلا أبدان إذا ضلت في أبدان آخرين.
فالمعاد حسب ما يرسمه القرآن وتقبله الفطرة والعقلية الانسانية والإيمانية ، ليس فيه ضلال للأجزاء الأصيلة للإنسان أرواحا وأبدانا ، ولا ترد الشبهات حول هذا المعاد عن بكرتها ، وليست الأقاويل المشركة ، أو الفلسفية الطائلة إلّا حول معاد خيّل إليهم فاضطروا إما إلى نكرانه أم تأويله ، أم تورطا في قاله وقيله ، ومعاد القرآن في غنى عن كل قال فيه وقيله ، إذ لا تروّي غليلا ولا تشفي عليلا!.
(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) ١٢.
«لو» هنا في موقف الترجّي أن يرى رسول الهدي (صلّى الله عليه وآله) (إِذِ الْمُجْرِمُونَ) وهم الناكرون ليوم الحساب (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) إطراقة وطأطأة في ذلّ وانكسار (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في يوم الرب وموقف حسابه بهول المطّلع ، قائلين (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) آياتك في الآفاق وفي أنفسنا بعد إذ عمينا وصممنا يوم الدنيا ، فلم يبق لنا بعد صالح الإيمان إلّا صالح