أعمال الإيمان «فارجعنا» الى الحياة الدنيا (نَعْمَلْ صالِحاً) لما أبصرنا وسمعنا ف (إِنَّا مُوقِنُونَ) لا نحتاج بعد إلى تحصيل اليقين ، ولكن لات حين مناص وقد فات يوم خلاص (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٦ : ٢٨) ف (إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) (٢٣ : ١٠٠) وحتى إذا صدقوا في وعدهم فلا رجوع بعد تمام الحجة ووضوح المحجة : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (٣٥ : ٣٧).
ويا له من مشهد خزي ، إقرارا بالحق الذي جحدوه ، وإعلان اليقين بالذي أنكروه ، فطلبا للعودة حتى يجبروه ، ولكنه كلّه بعد فوات الأوان حيث لا يفيد إيقان بإعلان وغير إعلان! وقد تعذر موقفهم المخزي يوم الدين (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) إذ تمت عليهم الحجة فتركوا المحجة ، وهم أولاء ليسوا إلّا أنفسهم لو رجعوا (١).
وذلك من خلفيات الإختيار ، والدنيا على ضوءه هي دار الإختيار وليس الإجبار بمشية الملك الجبار :
(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ١٣.
«لو» تحيل هذه المشية المسيّرة إلى الهدى قضية الحكمة في الاختبار
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ١٧٤ ـ أخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول ـ إن الله يعتذر إلى آدم يوم القيامة بثلاثة معاذير يقول ... ويقول : يا آدم إني لا أدخل أحدا من ذريتك النار ولا اعذب أحدا بالنار إلّا من قد علمت في سابق علمي إني لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى شر ما كان فيه لم يراجع ولم يعتب ...