(وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) أيّا كانت : آفاقية وأنفسية ، رسوليا ورساليا وكتابيا (إِلَّا الظَّالِمُونَ) أنفسهم والظالمون الحقّ الناصع ، تغافلا عن فطرهم وعقولهم وفكرهم ، وتجاهلا عن العلم الذي أوتوه من ربهم ، فكل بصيرة ـ مهما كانت كليلة ـ تبصر ربوبية الوحي الرسالي في القرآن ونبيه ، فما أظلمهم وأجهلهم هؤلاء الأوغاد المناكيد الجاحدين لآية القرآن وسواه من آيات الله البينات!
وهنا «الظالمون» قبال (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بدلا عن «الذين لم يؤتوه» أو «الجاهلون» للتدليل على ان الجاحدين بآيات الله ليسوا يفقدون العلم الذي به تعلم آياته البيّنات ، بل هم ظلموا الذي أوتوه من العلم ، تنازلا عنه وتجاهلا وتغافلا عامدا أم متساهلا ، فقد ظلموا بذلك ما أوتوه من العلم ف (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) ام لم يدّبّروا القرآن لكي يستيقنوا فيؤمنوا.
فليس الجاحد بآيات الله إلّا ظالما ، عالما أو جاهدا ، ما دام انه مقصر في ذلك الجحود ، حيث لم يستعمل العلم المؤتى له في صالحه.
ولما ذا «في صدور ..»؟ لأنها أولى مقامات الايمان الإتقان ، حيث يغربل العلم فطريا وعقليا وعلميا وحسيا إلى الصدور ومنها إلى القلوب ، فما لم يصل إلى الصدور لم تحصل بينة على ضوءه ، فكثير هؤلاء الذين يعلمونها دون صدورهم وليست لهم بينات!
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ٥٠.
«من ربه» هنا دون «الله ـ أو ـ رب العالمين» تعريضة عليه ساخرة ، أنه لو كان ربّه فكيف أهمله إذ أرسله دون آية تدل على رسالته ، فهل ضنّ به