هنا عرض إيتاء الكتاب لموسى تسلية لخاطر النبي (صلّى الله عليه وآله) الجريح من تكذيب قومه ، فلأنه أشبه النبيين به في كتابه وشرعته ورسالته ووحيه ، وأنه يصدقه أهل الكتاب كلهم ، يأتي هنا بذكره وإيتاءه الكتاب كما آتاه ، وجعله هدى لبني إسرائيل كما جعله هدى للعالمين.
وفي التقاء الرسولين والرسالتين تزول كل مرية من لقاء الله هنا وفي يوم الله ، والتفريع في (فَلا تَكُنْ ..) على (لَقَدْ آتَيْنا ..) يقرّب هذا المعنى بين ما قد يعنى ، فكما الرسالة نفس الرسالة والرسول موسى نفس الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله) ، والكتاب الرسالي نفس الكتاب مهما كانا درجات ، فاللقاء. ـ إذا ـ نفس اللقاء ، كل يلاقي ربه بما تأذى في سبيله ، وتصبّر على عبأه وحمله في حملها.
وأما لقاءه موسى ليلة المعراج أم بعد الموت ، ولقاء موسى إياه كذلك ، فلا صلة له بإيتاء موسى الكتاب ، إذ ليس لزامه ذلك اللقاء ، بل هو لقاء الله المذكور في كل كتابات السماء ، وكتاب موسى نموذج بارز منها قبل القرآن ، فليقرن بالقرآن كما قرن نبيه بنبيّ القرآن ، والتشابه بينهما في القضايا الرسولية والرسالية اكثر من كافة المرسلين.
(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) ٢٤.
(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ) بني إسرائيل «أئمة» رسلا (يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) تكوينا وتشريعا ، فإنهم حملة أمر الله ، ويهدون دلالة وإيصالا إلى الهدى بأمر الله (لَمَّا صَبَرُوا) فالصبر في قضايا الإيمان على رزاياه هو من معدّات الإمامة والهداية بأمر الله كما (وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ).
فالإيقان بآيات الله ، والصبر في مسير الإيقان ومصيره ، هما جناحان يطير بهما صاحبه إلى سماء الرحمة الربانية حتى يصير إماما للناس.