آيات ثمان تختص بحكمة لقمان التي تلقاها من ربه ثم ألقاها الى ابنه ، تجمع من عظات الحكم جوامعها ولوامعها ، فيها الحكمة الحكيمة للعبد وجاه الله ، ووجاه خلق الله أمرا لهم بالمعروف عند الله ، ونهيا عن المنكر لدى الله ، وصبرا على ما أصاب في مسرح العبودية والدعوة إلى الله ، وقصدا في المشي بين خلق الله.
(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ١٢.
«لقد» تأكيدان و «نا» الدالة على جمعية الصفات ثالثهما ، تؤكد هذه الثلاث الحكمة المؤتاة للقمان ، المختصرة في (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) بيانا لهذه الحكمة الجامعة العالية ، وقد تكون هي حكمة الشكر وشكر الحكمة ، حيث الشكر هو وضع النعم مواضعها التي يرضاها المنعم.
والشكر مقابل الكفر يعم الإيمان بكل قضاياه ، كما الكفر يعمه والكفران بكل رزاياه ، فهي ـ إذا ـ حكمة فطرية وعقلية ونفسية في كل حقولها ، إضافة إلى حكمة عملية ، هما يقضيان على كافة التفسخات العارمة الذاهبة بالإنسان مذاهب الكفر والكفران.
واصل الحكمة هو «الفهم والعقل» (١) ولقد «كان رجلا قويا في امر الله ، متورعا في الله ، ساكتا مستكينا ، عميق النظر ، طويل الفكر ، حديد النظر ، مستغن بالعبر ... ويعتبر ويتعلم ما يغلب به على نفسه ، ويجاهد به هواه ، ويحترز به من الشيطان ، وكان يداوي قلبه بالفكر ، ويداوي نفسه بالعبر ، وكان لا يظعن إلا فيما يعنيه ، فبذلك أوتي الحكمة ، ومنح
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ١٩٥ في أصول الكافي عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يا هشام ان الله قال : ولقد آتينا لقمان لحكمة ـ قال : الفهم والعقل.