(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) ٥٧ (١).
(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (٤ : ٧٨) ثم الموت في المهجر حياة ، كما الحياة في الوطن ـ حين يضيّق على الايمان وقضاياه ـ هي موت ، و (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) لا أنها تموت موت الفوت ، فذوق الموت عبارة عن الانتقال عن الحياة الدنيا الى الحياة البرزخية ، فالنفس تذوق الم الانتقال على أية حال ، ولا تعني «الموت» في آياتها إلا ذوق الموت دون الفوت المطلق ، فإنما الموت عن الحياة الدنيا ، وكما تدل عليه آيات الحياة البرزخية وجنتها ونارها.
ولأن «نفس» لا تطلق على الله إلّا إضافة إليه «نفسه» كما «تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك» فلا تشمله «كل نفس» حتى يخرج بأدلة خارجية عقلية ونقلية ، وانما تشمل نفوس ما سوى الله ومن سواه ، ما له نفس حية حيث تنتقل بالموت من حياة إلى أخرى «ثم» بعد ذوق الموت (إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) أحياء بحياة أخرى هي أحرى ان تسمى حياة من الأولى : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (٨٩ : ٢٤) كأن الأولى ما كانت حياة ، وترى «الموت» هو غير «القتل»؟ فالقتيل إذا ـ في حق أو باطل ـ لا بد أن يرجع يوم الرجعة حتى يموت قضية هذه الشمولية ل (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)؟
__________________
(١) في الدر المنثور ٥ : ١٤٩ ـ اخرج ابن مردويه عن علي (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما نزلت هذه الآية (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) قلت : يا رب أيموت الخلايق كلهم وتبقى الأنبياء فنزلت (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ).
أقول : الآية الأولى صريحة في موته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فباحرى في موت سائر الأنبياء ، والثانية ظاهرة في موته وسائر الأنبياء ، فكيف يقنع بالآية الظاهرة دون الصريحة ، فالعكس قد يصح وقد حصل القلب خطأ من الراوي.