استعجالا بالعذاب الذي تنذرهم به ، هزء بك وتعجيزا لك (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) لأمد العذاب وهو الحياة الوسطى البرزخية والأخرى الآخرة (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) كما يستعجلون ، وقد يعم العذاب هنا عذاب الآخرة والأولى ، ولكلّ أجل مسمّى لا سيما الأخرى ، وليس الله ليخرق الضابطة الثابتة في «اجل مسمى» لأنهم يستعجلون «وليأتينهم» العذاب الذي يستعجلون «بغتة» إمّا هاهنا كما في قرون هالكة مضت ، ام بعد الموت ، وكل ذلك فيه مباغته العذاب ، وهي عذاب فوق العذاب (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) إتيانه المباغت ، ولا أصله ، وهم لا يشعرون الحق تجاهلا وتغافلا ، (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) حين (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) أن (لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ).
ومن الغريب انهم (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) وهم في أنفسهم بكفرهم جهنم العذاب (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) تحملهم ويحملونها يوم الدنيا ، ثم تبرز لهم يوم الدين :
(يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ٥٥.
فذلك العذاب الذي يغشاهم يومه ، هو الذي عاشوه بكفرهم قبل يومه ، فلذلك «يقول» الله لهم هناك (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فالأعمال السيئة التي قدمتموها هي عذاب الجحيم ، ف (إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) باطنة يوم الدنيا وظاهرة يوم الدين ف : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)!
(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) ٥٦.
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا