فالخروج من الأرض حيا بعد موت مفاجأة في متاه ومداه ، وليس بدعا من الحياة بعد الموت المتواترين المتلاحقين على مر الزمن دون إبقاء ، كيف لا؟ :
(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) ٢٦.
«له» ملكية وملكية حقيقية ذاتية دونما زوال ولا انتقال (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فضلا عنهما ، «كلّ» منهما ومن فيهما ، «له» لا لسواه «قانتون» خاضعون لإرادته ، فالقنوت هنا ـ ككل ـ هو الطاعة الخاضعة الخاشعة التكوينية ، مهما كان المؤمنون له «قانتون» تشريعيا كما هو تكوينيا.
ف (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ككل ـ عصاة ومؤمنين ، هم له قانتون في كل كونهم وكيانهم مهما عصت عقول بعضهم وأعمالهم ، وليست النقلة إلى الحياة الأخرى فعلة لهم مختارة حتى يتمكنوا من عصيانها ، فكما أحياهم دون اختيار لهم إذ لم يكونوا أحياء ، كذلك يحييهم بعد موتهم (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى).
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ٢٧.
ولأن (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) و (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) دونما استقلال لشيء وتمنّع عن إرادته ، ف (هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) أيا كان البدء وأيّان ، بدء لا من شيء كالخلق الأول ، وبدء من شيء هو الخلق الأوّل وسائر الخلق في المراحل الأخرى ، وبدء لخلق الإنسان ، وإذا كان البدء منه فالإعادة اولى (ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ).
فالبدء أيا كان هو إنشاء من غير مثال سبق ، والإعادة إنشاء سبق مثاله في البدء ، سواء أكانت الإعادة بعد الإعدام المطلق كما قبل مطلق الخلق ، أو الإعادة بعد مطلق الإعدام ، كما قبل الإعدام ، فالإعادة لما بدء ثم أعدم هي