كالسالفة ، قد يسخرون منه بقولتهم المتحدية (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) إن كان ربه ، فكيف تركه ربه وهو يدعي خاتمة الرسالة وأقواها؟!
والجواب القاطع القاصع يتشكل من سلب وإيجاب ، فالسلب يعني انه لا يملك من الله آيات حتى يبرزها أو يستزلها : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) : كل الآيات الرسالية مادية ومعنوية هي عند الله لا سواه ، عند الله علما وقدرة وحكمة لإنزالها (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (١٠ : ٢٠) ـ فالآيات الرسالية هي من الغيب المخصوص بالله بكل أبعادها : (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) : رسالتي انا محصورة في «نذير» عن بأس الله «مبين» في نذارتي دون إبهام ، واما سند الرسالة ، فهو كاصلها ، فليس إلّا عند الله ، فكما الله هو الذي أرسلني وأوحى إلي ، كذلك هو الذي ينزل علي آية الرسالة المثبتة لها ، ثم الجواب الإيجابي هو آية القرآن الكافية عن كل آية :
(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ٥١.
والواو هنا تعطف إلى محذوف هو بطبيعة الحال آية كما القرآن آية ، وليست إلّا الرسول نفسه ، ألم تكفهم أنت بما تحمل أعلى قمم التربية الرسالية (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ..) وكما المرسلون دونه يستدلون لرسالتهم الإلهية بالتربية الرسالية اللامعة فيهم : (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) (٣٦ : ١٦).
فقد يكفي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنفسه ، بحاله وأفعاله وأقواله وان لم يأت بالقرآن ، يكفي آية بينة رسالية برسوليته ، فهو هو القرآن ، متجسدا في كل أحواله (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ