وبالاختيار ، و «لآتينا ..» تبيين لمشيئته الطليقة بالنسبة لكل ممكن ذاتي ، ولكن في ذلك الإيتاء خلاف الحكمة اللائقة بشأن الربوبية للمربوبين ، و «هداها» هي الهدى المطلوبة لكل نفس ، فحين تؤتى هداها دون سعي منها بطل التكليف والإختيار ، مهما ظل الاختيار باقيا على الهدى المؤتاة لكل نفس أم لم يظل : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (١٠ : ٩٩) وليس في ترك هذه المشية المسيّرة ترك لبالغ الحجة (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (٦ : ١٤٩).
وترى أنه تعالى لم يؤت كل نفس هداها؟ وقد هداها بمثلث الفطرة والعقل والشرعة! إنها ليست إلّا دلالات الهدى دون واقعها الحاصل بالاستدلال بها واقتفاء آثارها ، فالهدى الدلالية شاملة كاملة ، وواقع الهدى ليس إلّا لمن اهتدى ، و «هداها» إنما هي واقعها الذي لا يضل عنها مهديها.
«ولكن» لم نشاء ولن ، بل (هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) ـ (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ولأن الأكثرية الساحقة من المكلفين كافرون ، لذلك (حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
وتراه قولا يستغرق كل الجنة والناس؟ ومنهم مؤمنون! أم يخص الكافرين؟ فلما ذا «أجمعين»! قد يعني «أجمعين» ملأ ورودها (إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) (١٩ : ٧١).
ام يعني ملأهم ورد العذاب كما وعد (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣٨ : ٨٥) وذلك بعد ما هددهم الشيطان إذ : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٨٣).