سليمان : (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (٢٧ : ٢٨) وليس الأعلى إلّا هنا وفي ص : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)(٧٠) فالملأ الأعلى هم أعلى مكانا مطلقا ، ومكانة بالنسبة لمن سوى النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وليس اختصام الملإ الأعلى إلّا حوارا في أنباء الغيب ، وأنباءهم غيب عن أهل الشهود والغيب ، وحتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا ما علمه الله ، ف ـ «ما كان» تضرب إلى ماضيه قبل أن يوحى إليه بما أوحي (إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)(٧٠).
ولأن الكواكب (حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) فهي إذا أمكنة الملإ الأعلى فيها وبينها في أجوائها ، فليس لأي شيطان مارد التسمّع إليهم اقترابا إلى أمكنتهم.
ومن ثم كيف يواصل الشياطين في تصعّدهم إلى الملإ الأعلى يسّمّعونهم ، وهم عارفون تجربة وتكرارا أنهم يدحرون ويقذفون من كل جانب ، أو يتبعهم شهاب ثاقب؟
من الجواب ـ إضافة إلى واقع ذلك التصعّد المكرور ـ أن الاستماع إلى الملإ الأعلى من أهم غاياتهم ليتنزلوا على كل أفاك اثيم : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ. تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) (٢٦ : ٢٢٣) وكلما كان الهدف أسمى فالهادف إليه أسعى ولحد إحداق الخطر أو إطباقه ، وكما يعاكسهم في الشرف المناضلون في سبيل الله ، فحتى إذا علم المخلصون منهم أنهم يقتلون لا يبالون بدارا إليه بكل إصرار.
ثم الشيطان هو من الجان (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ)