سلامته ، وهو يؤدي على إجماله وجماله أوسع مما تؤديه تعبيرات هذه الصفات المتعاليات.
وإن مجيئه ربه بقلبه هو مجيئه بكل كونه وكيانه حيث القلب يقلّب كله ، فقد جاء ربه متجليا بكافة التربيات الربوبية بكل وجوده.
إبراهيم جاء ربه بقلب سليم ودعا العالمين إلى قلب سليم (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٢٦ : ٨٩) ومن مظاهر ذلك المجيء صراعه في حوار صارم وعملية صارمة في أوسع ميادين الشرك وأخطرها :
(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٨٧).
جولة خاطفة سريعة من حواره ، وإلى تجوالة وسيعة عملية بين الأصنام ، ما حمل عبدتها يتربصون به كل دوائر السوء.
في حين يراهم عاكفين على أصنام لهم يتساءلهم في هتاف وانعكاف إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها ، مستنكرا تحجبّهم عنها (ما ذا تَعْبُدُونَ) دون «من ذا» ملمحا أنها لا تشعر! فما هي ـ إذا ـ حال عابديها؟
ثم وقبل أن بذكرها كما يلفظون «آلهة» يهدم صرح ألوهيتها في تخيلهم الهابط الخابط : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) فكل آلهة دون الله إفك مفترى ، وكذب مختلق ، لا تملك أية برهنة في عساكر البراهين! وفي بدلية «آلهة» عن «إفكا» ـ دون عكس ـ إشارة إلى أنها ليست إلّا إفكا ، فكل كيانها إفك ليس إلّا! وإذ تعبدون ما تنحتون (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) كيف ـ إذا ـ تعبدونه وأنتم عابدوا خلقه ، وكيف تلاقونه وأنتم به مشركون ، وهو أقبح ظلم وأشنعه؟!