ثم (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) في صورة القسم وسيرة البرهان ، ليس إلّا لاثبات «ص» في صدق النبوئة والرسالة وكما في (يس. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إذ لا نجد قبل ولا بعد مقسما لأجله إلّا «ص»!
(وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (١) يذكّر الفطر والعقول ، وهو ذكر في كافة الحقول ، ولأنه بنفسه دليل على وحيه الصادق ، يذكركم أن رسوله هو الصادق الأمين ، وكما الرسول هو بنفسه ذكر يشهد لوحي القرآن الحكيم : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً ...) (٦٥ : ١٠) بل والرسول هو من (الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٣٦ : ٦٩) وكما القرآن هو رسول الذكر.
ذكران لصق بعض ، يشهد بعضه على بعض ، وينطق بعضه ببعض ، ذكرا عن كتابي التكوين والتشريع ، وذكرا لمواضع الغفلة من الفطر والعقول والعلوم!
ذكر على ذكر يوضحان كل صغير وكبير ، وكل دقيق ورقيق وضح الشمس في رايعة النهار ، فلا يبقى مع ذكرها أية غفلة :
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) (٢).
فليس كفرهم بذلك الذكر ، لقصور في الذكر ، وإنما لتقصير منهم أمام الذكر ، فهم «في عزة» غارقين في أنانية الشهوات والفرعنات «وشقاق» إذ جعلوا أنفسهم في شق يقابل شق الرسالات الإلهية : فنحن رجال وهم رجال. لا يفضل رجال عن رجال ، بل نحن أرجل منهم وأنبل في بنين وقوات وأموال!
(كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ)(٣).